فصل: (فرع: قايض بثوب على عبد فوجده معيبًا)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: موت المشتري قبل ردّ المعيب]

إذا اشترى عينًا، فوجد بها عيبًا، فقبل أن يتمكن من الرد مات المشتري.. فإن خيار الرد ينتقل إلى وارثه؛ لأنه حق لازم يختص بالمبيع، فانتقل بالموت إلى الوارث، كحبس المبيع إلى أن يحضر الثمن، فإن مات وخلف وارثين، فإن اتفقا على الرد، أو على الإجازة.. جاز. وإن أراد أحدهما أن يرد نصيبه، وأراد الآخر أن يمسك نصيبه، فإن رضي البائع بذلك.. جاز. وإن امتنع البائع من قبول نصيب الراد وحده.. ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\228].
أحدهما: يجبر البائع؛ لأن كل واحد من الوارثين رد جميع ما ملكه، فأُجبر البائع على قبوله، كما لو اشتريا منه صفقة واحدة.
والثاني: لا يجبر البائع على قبوله، وهو قول ابن الحداد، وهو المشهور؛ لأن الوارث قائم مقام الموروث، والموروث لم يكن له أن يرد بعض المبيع دون بعض، فكذلك من يقوم مقامه.
قال القاضي أبو الطيب: فعلى هذا: يقال للبائع: إما أن تقبل نصفه من الراد، وإمّا أن تدفع إليه أرش العيب؛ لأنا إنما لم نوجب على البائع قبول البعض؛ لأن الشركة نقص وضرر عليه، فجرى ذلك مجرى العيب الحادث عند المشتري. ولو حدث بالمبيع عيب عند المشتري.. لقيل للبائع: إما أن تقبله معيبًا، وإما أن تدفع الأرش، فكذلك هذا مثله.

.[مسألة: رؤية العيب بعد زيادة المبيع]

إذا وجد المشتري العيب بالمبيع، وقد زاد المبيع في يده.. نظرت:
فإن كانت زيادة متصلة بالمبيع، كالسمن والكبر وتعلم القرآن والصنعة.. فإن الزيادة تتبع الأصل في الرد؛ لأنها زيادة لا تتميز عن العين.
وإن كانت الزيادة منفصلة عن العين.. نظرت:
فإن كانت كسبًا، مثل: أن كان عبدًا، فاستخدمه، أو أجره، أو وجد ركازًا، أو احتشّ، أو اصطاد، أو ما أشبه ذلك.. فإن المشتري إذا رد العبد.. فإن الكسب له، ولا حق للبائع فيه بلا خلاف؛ لما روى الشافعي، قال: (أخبرني من لا أتهم، عن ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف: أنه ابتاع غلامًا، فاستلغه، ثم أصاب به عيبًا، فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته). وفي غير رواية الشافعي: (فقضى له بردِّه، وقضى عليه برد غلته، فأخبره عروة بن الزبير، عن عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في مثل هذا: أن الخراج بالضمان، فردّ عمر قضاءه، وقضى لمخلد بن خفاف).
قال الشيخ أبو حامد: هكذا رُوي في الخبر، والمزني نقل: وقضى لمخلد بن خفاف برد الخراج.
فمن أصحابنا من غلط المزني في الكتابة، وقال: إنما الخبر: (وقضى له بالخراج).
ومنهم من قال: إنما قضى له برد الخراج عليه؛ لأنه حكم به للبائع، فلمّا رُوي له الخبر.. قضى برده على المشتري.
و(الخراج): اسم للغلة التي تحصل من جهة المبيع، يقال للعبد الذي ضُرِب عليه مقدار الكسب في كل يوم: مخارج. ومعنى قوله: «الخراج بالضمان»: أي يكون الخراج لمن لو تلف المبيع.. كان من ضمانه، وهو المشتري هاهنا.
فإن قيل: فهلا قلتم: إن خراج المغصوب للغاصب؛ لأن ضمانه عليه؟ فالجواب: أن الخبر لم يرد مطلقًا، وإنما ورد في المبيع مقيّدًا. والفرق بينهما: أن ملك المغصوب للمالك، فكان الخراج له، وهاهنا الملك للمشتري، والحكم تعلق بسببين: الملك والضمان، فلا يجوز أن يتعلق بأحدهما.
وإن كان المبيع بهيمة حائلا، فحملت في يد المشتري، فولدت، ثم وجد بها عيبًا، أو كانت لا لبن فيها، فحدث بها لبن، ثم أخذه المشتري، أو كان شجرة لا ثمرة عليها، فأثمرت، ثم وجد بها عيبًا.. فإن الثمرة والولد واللبن للمشتري، وله أن يرد البهيمة والشجرة بالعيب.
وقال مالك: (يلزم المشتري أن يرد الولد إن اختار الرد، ولا يلزمه أن يرد الثمرة، بل هي له).
وقال أبو حنيفة: (حصول هذه الزيادات تبطل حق المشتري من الرد، فيرجع بأرش العيب على البائع).
دليلنا على مالك: ما روي عن عائشة: «أن رجلا ابتاع عبدًا، وبه عيب، ولم يعلمه فلما علم به.. رده بالعيب، فخاصمه البائع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: إنه قد استغله منذ زمان. فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن الغلة بالضمان». وهذا أعم من «الخراج بالضمان»؛ لأنه يتناول المنفعة والعين.
ولأنه نماء متميز عن المبيع حدث في ملك المشتري، فيجب أن لا يلزمه رده مع المبيع، كثمره الشجرة.
ودليلنا على أبي حنيفة: أنه نماء حادث في ملك المشتري، فلم يمنع الرد، كالسمن والكبر والكسب.

.[فرع: رأى العيب في الجارية بعد ولادتها]

وإن كان المبيع جارية حائلا، فحملت من زوج، أو زنا، في يد المشتري، فولدت، ثم وجد بها عيبًا، فإن نقصت الجارية بالولادة.. سقط حق المشتري من الرد، ورجع بالأرش على البائع. وإن لم تنقص بالولادة.. ففيه وجهان:
الأول: من أصحابنا من قال: يسقط حق المشتري من رد الجارية، ويرجع إلى الأرش؛ لأنه لا يجوز التفريق بينهما.
والثاني: قال أكثرهم: لا يسقط حقه من ردها، بل يمسك الولد، ويرد الجارية؛ لأنه نماء متميز حدث في ملك المشتري، فكان له رد الأصل وإمساك النماء، كولد البهيمة.
وأما التفريق: فإنه يجوز للحاجة، كما قال الشافعي في (الرهن): (إذا ولدت الجارية حرًّا.. فإنها تباع دون ولدها).
فأما إذا اشترى البهيمة، أو الجارية، وهي حامل، ثم وجد بها عيبًا، فإن وجد العيب قبل الوضع.. رد الجارية وحملها. وإن ولدت في يد المشتري، ثم وجد العيب، فإن نقصت بالولادة.. سقط حقه من الرد، ورجع بالأرش. وإن لم تنقص بالولادة، فإن قلنا: إن الحمل لا حكم له.. رد الجارية دون الولد، كما لو حدث في ملكه.
وإن قلنا: للحمل حكم.. ردها ورد ولدها؛ لأن العقد وقع عليهما.
وإن اشتراها، وهي حائل، فحملت في يده، ثم وجد بها عيبًا قبل الوضع.. فذكر الشيخ أبو حامد: أن الحمل عيب؛ لأنه ينقص جمال الجارية ونشاطها، ويمنع من الحمل على البهائم فيما يحمل عليها، وينقص لحم ما يؤكل.
فعلى هذا: له المطالبة بالأرش.
وذكر ابن الصباغ: إن نقصها الحمل.. ففيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: أن للمشتري إمساكها حتى تضع، ويردها إن لم تنقصها الولادة.
وإن لم ينقصها الحمل، أو نقصها، ورضي البائع بقبول الجارية مع النقص.. فلمن يكون الولد؟ إن قلنا: للحمل حكم.. فهو للمشتري. وإن قلنا: لا حكم له.. فهو للبائع.

.[فرع: العيب بالجارية الثيب]

وإن كان المبيع جارية ثيِّبًا، فوطئها المشتري، ثم علم بها عيبًا.. فإنه يردها، ولا يرد معها شيئًا، وبه قال مالك، وعثمان البتّيُّ، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، وروي ذلك عن زيد بن ثابت.
وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها مهر مثلها. وروي ذلك عن عمر.
وقال الزهري، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه: (يبطل حقه من الرد، ويرجع بالأرش). وروي ذلك عن علي بن أبي طالب.
دليلنا على ابن أبي ليلى: أنه وطئها وهي في ملكه، فلم يجب عليه بدل الوطء، كأجرة الاستخدام.
وعلى أبي حنيفة: أن الوطء معنى لا ينقص من عينها، ولا من قيمتها، ولا يتضمن الرضا بالعيب، فلم يمنع الرد، كما لو كانت زوجته، أو كما لو استخدمها.
وإن كان المبيع جارية بكرًا، فافتضها المشتري، ثم وجد بها عيبًا، فأراد ردّها، فإن رضيها البائع.. جاز. وإن لم يرضها.. لم يجبر عليها، ووجب عليه أرش العيب.
وقال مالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه: (يردها، ويرد معها أرش البكارة).
دليلنا: أن في إذهاب البكارة إتلاف جزء منها، فلم يجبر البائع على قبولها، كما لو اشترى عبدًا، فخصاه، ثم وجد به عيبًا.. فإنه لا يرده، وإن زادت قيمته بذلك.

.[فرع: حدوث عيب عند المشتري]

وإن اشترى عينًا، فقبضها، ثم حدث بها عيب عنده، بأن كان عبدًا فعمي، أو كانت أمة فزوجها، أو عبدًا فزوجه، أو كان ثوبًا فقطعه، ثم وجد به عيبًا كان موجودًا
عند البائع.. لم يكن له أن يرد إلا أن يرضى به البائع، وإن لم يرض به البائع.. فللمشتري أن يطالبه بالأرش. هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة.
وقال حماد بن أبي سليمان، وأبو ثور: (يرده، ويرد معه أرش العيب الحادث عنده).
وقال مالك، وأحمد: (المشتري بالخيار: إن شاء.. رد المبيع، ورد معه أرش العيب الحادث عنده، وإن شاء.. أمسكه، ورجع بالأرش).
وحكى أبو ثور: (أن ذلك قول الشافعي في القديم).
قال الشيخ أبو حامد: وهذا لا يجيء على أصل الشافعي، ولا نص له به في كتبه.
دليلنا: أنه نقص حدث في المبيع في يد المشتري لا لاستعلام العيب، فمنع الرد، كما لو قطع المشتري يده، فإنهم قد وافقونا على ذلك.
فقولنا: (لا لاستعلام العيب) احترازٌ من المصراة، ومن العيوب التي لا يتوصل إلى استعلام العيب في المبيع إلا بها، مثل: كسر البطيخ، وما أشبهه.
فإن قال المشتري: أرده، وأرد معه أرش العيب.. فإن البائع لا يجبر على قبول ذلك، كما إذا كان العيب عند البائع، فسأل البائع أن يدفع أرش العيب.. فإن المشتري لا يجبر على ذلك.
وإن قال البائع: رده إلي مع العيبين، وادفع إلي أرش العيب الحادث عندك.. فهل يجبر المشتري على ذلك؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" \ 239].

.[فرع: حصل بالمبيع عيب جديد عند المشتري ثم زال]

إذا اشترى سلعة، وبها عيب، لم يعلمه المشتري، فقبضها، ثم حدث عنده عيب آخر، ثم ارتفع العيب الذي حدث عنده.. قال الشافعي في " مختصر البويطيّ ": (له الرد).
قال ابن الصباغ: قال أصحابنا: أراد الشافعي: إذا لم يحكم له بالأرش، فأمّا إذا حكم له بالأرش، وقبضه.. فإنه لا يرده.
وإن حكم له بالأرش، ولم يقبضه، ثم ارتفع العيب الحادث عنده.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرد؛ لأن الحكم قد ثبت له بالأرش.
والثاني: يرد؛ لأنه لم يستقر الحكم.

.[فرع: صبغ الثوب ثم وجد العيب]

ذكر ابن الصباغ: إذا اشترى ثوبًا، فصبغه، ثم وجد به عيبًا كان عند البائع.. لم يكن له رده مصبوغًا، ويرجع بالأرش، فإن قال البائع: أنا آخذه، وأعطي قيمة الصبغ.. كان له، ولم يكن للمشتري الرجوع بالأرش. وكذلك إذا صبغه، ثم باعه، أو قطعه، ثم باعه.. لم يكن له الرجوع بالأرش؛ لجواز أن يرضى به المشتري مصبوغًا أو مقطوعًا.

.[فرع: قايض بثوب على عبد فوجده معيبًا]

إذا اشترى من رجل عبدًا بألف، ثم أعطاه بالألف ثوبًا، فوجد مشتري العبد به عيبًا فردّه.. فهل له أن يرجع بالألف أو بالثوب؟ فيه وجهان:
قال أبو علي الطبري، والشيخ أبو حامد: يرجع بالألف، ولا يرجع بالثوب؛ لأنه ملك الثوب بعقد ثان، فلا ينفسخ بانفساخ الأول.
وقال القاضي أبو الطيب: يرجع بالثوب؛ لأنه إنما ملك الثوب بالثمن، فإذا انفسخ البيع.. سقط الثمن عن ذمة المشتري، فانفسخ بيع الثوب به.

.[مسألة: اشترى عبدًا به برص لم يعلمه وعمي عنده]

إذا اشترى عبدًا، فقبضه، فعمي، أو عرج، ثم بان أن به برصًا كان موجودًا في يد البائع. لم يعلم به المشتري، إلا بعد حدوث العيب عنده.. فقد قلنا: إنه يرجع بالأرش على البائع.
وكيفية ذلك: أن يقال: كم قيمة هذا العبد، وليس به برص ولا عمى؟ فإن قيل مثلا: مائة درهم.. قيل: فكم قيمته وبه البرص، ولا عمى به؟ فإن قيل: ثمانون.. فإن المشتري يرجع على البائع بخمس الثمن، فإن كان قد اشتراه منه بأقل من قيمته، مثل: أن يشتريه منه بخمسين.. قيل له: ارجع بعشرة. وإن كان قد اشتراه بأكثر من قيمته؛ بأن يكون قد اشتراه بمائتين.. قيل له: ارجع بأربعين، ولا يرجع عليه بما نقص من القيمة؛ لأن المبيع مضمون على البائع بالثمن؛ لأنه لو هلك جميعه قبل القبض.. لرجع عليه بجميع الثمن. فإذا تلف بعضه.. ضمنه بجزء من الثمن، كما أن الجزء مضمون بالدية، فكذلك أجزاؤه مضمونة بجزء من الدية.
قال الشافعي: (ولأني لو قلت: يرجع على البائع بما نقص من القيمة.. أدى إلى أن يحصل للمشتري الثمن والمثمن؛ لأنه قد يشتري عبدًا بمائة يساوي مائتين، فإذا وجد به عيبًا ينقص نصف قيمته، وقد حدث عنده عيب آخر.. جاز له أخذ الأرش، فيأخذ ما نقص وهو مائة، فيحصل له الثمن والمثمن، وهذا لا يجوز). ومتى تعتبر قيمته؟
قال الشافعي في موضع: (تعتبر قيمته يوم العقد). وقال في موضع آخر: (تعتبر قيمته يوم القبض).
قال الشيخ أبو حامد: وليست على قولين، بل هي على اختلاف حالين:
فـالأول: حيث قال: (تعتبر قيمته يوم العقد) أراد: إذا كانت قيمته يوم العقد أقل من قيمته يوم القبض؛ لأن هذه زيادة حدثت في ملك المشتري، فهو كنماء متصل، فلو أدخلنا هذه الزيادة في التقويم لدخل الضرر على البائع، وأوجبنا عليه ضمان ما لم يدخل في العقد.
والثاني: حيث قال الشافعي: (تعتبر قيمته يوم القبض) أراد: إذا كانت قيمته يوم القبض أقل من يوم العقد؛ لأن هذا النقصان كان من ضمان البائع؛ لأن المبيع متى تلف قبل القبض.. كان من ضمان البائع، فلو قومناه يوم العقد.. دخل النقصان الذي حدث في التقويم، وأخذ بمقداره من البائع.

.[فرع: اشترى إبريق فضة معيبًا]

إذا كان هناك إبريق من فضة وزنه ألف درهم، وقيمته ألفا درهم للصنعة، فاشتراه بألف درهم؛ فوجد به عيبًا، وقد حدث به عنده عيبٌ.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها ـ وهو قول أبي العباس ـ: أنه لا يرجع بالأرش؛ لأن ذلك يؤدي إلى الربا، ولكن يفسخ المشتري العقد، ويسترجع ثمنه، ويدفع قيمة الإبريق معيبًا من الذهب، ولا يرده؛ لأنه لا يمكن رده معيبًا، فجرى ذلك مجرى تلفه.
والثاني: وهو قول الشيخ أبو حامد، واختيار القاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق ـ: أنه يفسخ العقد، ويسترجع ثمنه، ويرد الإبريق، وأرش العيب الحادث عنده؛ لأن ذلك لا يؤدي إلى الربا، بل يكون بمنزلة المأخوذ على وجه السوم إذا حدث فيه نقص.
والثالث ـ حكاه في "المهذب"، عن أبي القاسم الداركيِّ ـ: أنه لا يرد الإبريق، ولكنه يرجع بأرش العيب الموجود عند البائع؛ لأن ما ظهر من الفضل في الرجوع بالأرش لا اعتبار به، بدليل: أنه يجوز الرجوع بالأرش في غير هذا الموضع، ولا يقال: لا يجوز؛ لأنه يصير الثمن مجهولاً.

.[مسألة: وجده معيبًا ثم نقص عنده]

وإن وجد المشتري بالمبيع عيبا، وقد نقص المبيع عنده بمعنى لاستعلام العيب، مثل: أن يشتري ما مأكوله في جوفه، مثل: البيض والجوز واللوز والرانج والبطيخ والرمان.. فإنه إذا كسر ذلك.. نظرت:
فإن لم يكن لمكسوره قيمة، كبيض الدجاج إذا خرج فاسدًا، أو الرمان إذا خرج أسود.. فإن البيع باطل؛ لأن المبيع لا يصح فيما لا منفعة فيه.
وإن كان لفاسده قيمة، كالرمان والبطيخ إذا خرج حامضًا أو مدودًا، أو كبيض النعامة إذا كسرها، فإن لقشرها قيمة.. فينظر فيه:
فإن كسر قدرًا لا يتوصل إلى معرفة المبيع إلا به، مثل: أن كسر الجوز واللوز والرانج، فإنه لا يمكن معرفة ما فيه إلا بكسره نصفين، ولا يعلم التدويد في البطيخ والرمان إلا بكسرهما، بل إنه يمكن معرفة الحامض منهما بإدخال مسلَّة فيهما.. فهل يمنعه ذلك من الرد؟ فيه قولان:
أحدهما: يمنعه من الرد، وهو اختيار المزني، وقول أبي حنيفة؛ لأنه نقص حدث في يد المبتاع، فمنع الرد، كقطع الثوب.
فعلى هذا: يرجع بالأرش على ما مضى.
والقول الثاني: أن ذلك لا يمنعه من الرد. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لأنه نقص لاستعلام العيب، فلم يمنع الرد، كحلب المصراة.
فإذا قلنا بهذا: فهل يرد أرش الكسر؟ فيه قولان.
أحدهما: يرد أرش الكسر؛ لأن النقص إذا لم يمنع الرد.. وجب رد الأرش معه، كالمصراة.
والثاني: لا يلزمه أن يرد معه شيئًا. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لأن هذا النقص حصل لاستعلام العيب، وذلك مستحق للمشتري، فكأن البائع لمّا علم أنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بذلك.. صار كما لو سلطه على ذلك. ولو أذن له في ذلك.. لم يكن عليه أرش، فيصير في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يرد، ويأخذ الأرش.
والثاني: يرده، ولا أرش عليه.
والثالث: يرده، ويدفع أرش الكسر.
فإذا قلنا بهذا: قوم المبيع صحيحًا فاسدًا، وقوم مسكورًا فاسدًا، فيرجع البائع على المشتري بما بين القيمتين؛ لأن المبيع لا يكون مضمونًا على المشتري بالثمن إلا مع صحة البيع، فأما إذا فسخ: صار مضمونًا عليه بالقيمة، فضمن الجزء منه بجزء من القيمة.
فأما إذا كسر منه قدرًا يزيد على ما يحتاج إليه لاستعلام العيب.. ففيه طريقان:
الأول: من أصحابنا من قال: فيها قولان، كالأولى؛ لأنه يشق التمييز بين القدر الذي يحتاج إليه، وبين ما زاد عليه، فسوّى بين الجميع.
والثاني: منهم من قال: إن ذلك يمنع الرد، قولاً واحدًا. قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب؛ لأن هذا نقص حدث لا لاستعلام العيب، فهو كقطع الثوب.

.[فرع: اشترى ثوبًا مطويًا كان رآه]

إذا اشترى ثوبًا مطويًّا كان قد رآه، فنشره، ثم وجد به عيبًا.. نظرت:
فإن كان من الثياب التي لا ينقصها النشر.. رده.
وإن كان من الثياب التي تنقص بالنشر.. نظرت:
فإن نشر منه قدرًا لا يتمكن من معرفته إلا بذلك.. فهو كما كسر من الجوز ما لا يتمكن من معرفته إلا به على الأقوال الثلاثة.
وإن نشر منه قدرًا يتمكن من معرفته بأقل منه.. فهو كما لو كسر من الجوز قدرًا يتمكن من معرفته بأقل منه، فيكون على الطريقين.

.[فرع: وجد الدينار معيبًا بعد قطع المشتري الثوب]

إذا اشترى من رجل ثوبًا بدينار معين، فقطع المشتري الثوب، ووجد البائع بالدينار عيبًا.. قال القاضي أبو الطيب في " شرح المولّدات ": كان بائع الثوب بالخيار: إن شاء.. رضي الدينار المعيب، ولا شيء له، وإن شاء.. فسخ البيع، وردّ الدينار، واسترجع ثوبه مقطوعًا، ولا شيء له، كما لو وجد مشتري الثوب به عيبًا قبل أن يقطعه.. فإنه بالخيار: بين أن يرضى بالثوب معيبًا، ولا شيء له، وبين أن يفسخ، ويرجع بجميع الثمن.

.[مسألة: وجد عيبًا بالعبد بعد خروجه عن ملكه]

إذا اشترى عبدًا، فقبضه، ثم مات العبد أو وقفه أو أعتقه أو قتله، ثم علم به عيبًا كان في يد البائع.. فله أن يرجع على البائع بالأرش، وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: (إذا قتله خاصة.. لم يرجع عليه بالأرش).
دليلنا: أنه عيب لم يرض به، وجده بعد الإياس من الرد، فكان له الرجوع بالأرش، كما لو أعتقه.
وإن اشترى عبدًا، فقبضه، فأبق من يديه، ثم علم به عيبًا كان في يد البائع.. نظرت
فإن كان العيب الذي كان في يد البائع هو الإباق.. فإنه عيب يستحق به الرد، إلا أنه قد تعذر رده لإباقه من يده، وليس له أن يرجع بالأرش؛ لأنه لم ييأس من الرد. فإن رجع إليه العبد.. رده. وإن هلك مع الإباق.. كان له الرجوع بالأرش.
وإن كان به عيب عند البائع مع الإباق.. فالحكم فيها كالأولى. وإن كان لم يأبق عند البائع، بل كان به عيب آخر عنده، ثم أبق في يد المشتري.. فإن الإباق في يد المشتري عيبٌ يمنعه من الرد، ويكون له المطالبة بأرش العيب؛ لأن البائع لا يجبر على قبوله مع عيب الإباق، فيلزمه دفع الأرش، إلا أن يقول البائع: أنا أرضى برده مع الإباق.. فلا يكون للمشتري المطالبة بالأرش.